مقدمة
إن التشريع الرئيسي الذي ينظم العمل في المملكة هو نظام العمل السعودي الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/51 بتاريخ 23/8/1426هـ (الموافق 26 سبتمبر 2005م). يعمل هذا النظام بمثابة الأساس لممارسات العمل، وقد خضع لتعديلات كبيرة لمواكبة احتياجات العمل المتطورة والأولويات الاقتصادية. وأُدخلت تلك التعديلات بموجب المراسيم الملكية التالية:
- المرسوم الملكي رقم م/24 بتاريخ 12/05/1434 هـ الموافق 24 مارس 2013 م،
- والمرسوم الملكي رقم م/46 بتاريخ 05/06/1436 هـ الموافق 25 مارس 2015 م،
- والمرسوم الملكي رقم م/134 بتاريخ 27/11/1440 هـ الموافق 30 يوليو 2019 م،
يتناول هذا المقال الجوانب الرئيسية لنظام العمل السعودي، بما في ذلك اللوائح الخاصة بالعمالة الأجنبية والسعودية، وإجراءات إنهاء الخدمة، ومكافآت نهاية الخدمة. بالإضافة إلى ذلك، يستعرض المقال الأساس المنطقي لهذه اللوائح وآثارها، مقدمًا رؤية متعمقة حول تطبيقها وتوافقها مع أهداف رؤية المملكة 2030 في تعزيز التنوع الاقتصادي وتطوير القوى العاملة.
العمالة الأجنبية والسعودية
تنظيمات شاملة للعمالة الأجنبية:
تحكم المتطلبات القانونية الصارمة توظيف المواطنين الأجانب، ممن يمثلون جزءً كبيرًا من القوى العاملة في المملكة العربية السعودية. وإدراكًا لدورهم المحوري، فقد اتخذت الحكومة إجراءات لضمان توافق توظيفهم مع السياسات الوطنية ومعايير العمل. وعلى أصحاب العمل التأكد من أن العمال الأجانب:
- يدخلون البلاد بشكل نظامي ومصرح لهم بالعمل وفقًا للشروط التي حددتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
- ولديهم المؤهلات أو المهارات المطلوبة في المملكة، وخاصة في المجالات التي لا تتوفر فيها الكفاءات المحلية.
- ولديهم عقد عمل ساري المفعول مع صاحب العمل، يحدد شروط تعاقدهم.
يتعين على العمال الأجانب الحصول على تصريح عمل وبطاقة إقامة (“إقامة”) خلال 90 يومًا من وصولهم إلى المملكة. وتتفاوت مدة صلاحية هذه التصاريح، حيث تتراوح بين 3 إلى 12 شهرًا، وذلك وفقًا لمتطلبات صاحب العمل وطبيعة العمل. تهدف هذه التدابير إلى إنشاء إطار تنظيمي يعزز الامتثال والمساءلة بين أصحاب العمل، كما يُشجَّع أصحاب العمل على ضمان إدماج العمال الأجانب في بيئة عمل آمنة وصحية، مما يسهم في تعزيز الإنتاجية العامة ورفع معنويات القوى العاملة، وذلك وفقًا لأحكام نظام العمل.
تعالج اللوائح الحكومية أيضًا التحديات المحددة التي يواجهها العمال الأجانب، مثل ضمان المعاملة العادلة، وصرف الأجور في مواعيدها، وإتاحة سُبل التظلم. ويواجه أصحاب العمل الذين لا يلتزمون بهذه المعايير عقوبات شديدة، مما يعكس التزام المملكة بالحفاظ على ممارسات عمل أخلاقية.
حصص العمالة الوطنية السعودية
لتحفيز التوظيف المحلي، تفرض المملكة العربية السعودية حصصًا محددة لتعيين المواطنين السعوديين. فمن الممكن أن تصل هذه الحصص إلى 75% من القوى العاملة، وذلك وفقًا لمجال الشركة ونشاطها. ويصنّف برنامج “نطاقات”، وهو مبادرة استراتيجية تنفّذها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، المنشآت إلى خمسة مستويات: البلاتيني، والأخضر العالي، والأخضر المتوسط، والأخضر المنخفض، والأحمر. ويعتمد هذا التصنيف على نسبة التوطين وحجم القوى العاملة.
يحفّز برنامج “نطاقات” الشركات على إعطاء الأولوية للمواطنين السعوديين من خلال تقديم مزايا وامتيازات للمنشآت التي تحقق مستويات أعلى، بينما تواجه الشركات المصنفة في الفئة الحمراء قيودًا على تجديد تصاريح العمل للموظفين الأجانب، مما يسلط الضوء على التزام الحكومة بتعزيز مشاركة السعوديين في سوق العمل. وعلاوة على ذلك، يتضمن البرنامج أحكامًا لدعم توظيف النساء السعوديات والأفراد من المجموعات الممثلة تمثيلًا ناقصًا (الأقليات)، مما يساهم في زيادة التنوع والاندماج في مكان العمل.
فئات المواطنين السعوديين المؤثرين في نسبة التوطين
تختلف نسبة التوطين بناءً على نوع الموظف السعودي المعين. وتشتمل الفئات الرئيسية ما يلي:
- الأفراد ذوو الاحتياجات الخاصة: احتساب أربعة موظفين، بحد أقصى 10%.
- سجناء سابقون: احتساب موظفين اثنين، بحد أقصى 10%.
- العاملون بدوام جزئي والطلاب: احتساب 0,5 موظف، مع وجود حدود معينة حسب قطاع العمل.
يضمن هذا النهج المتمايز الشمولية ويُقر بالمساهمات الفريدة لمختلف شرائح السكان السعوديين في القوى العاملة. بالإضافة إلى ذلك، يتضمن البرنامج آليات مراقبة لضمان الامتثال والتعديلات الدورية للحصص بناءً على احتياجات سوق العمل. وغالبًا ما تحظى الشركات التي تتفوق في توظيف المواهب السعودية المتنوعة بتقدير عام، مما يعزز سمعتها الإيجابية ويشجع المؤسسات الأخرى على أن تحذو حذوها.
الرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية
- يُلزم النظام السعودي صاحب العمل بقيد العاملين لديه دون أي تمييز بسبب الجنس أو الجنسية أو السن لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. ويكفل هذا القيد أيضًا منح تعويضات في حالات إصابات العمل (المادتان 1 و4 من نظام التأمينات الاجتماعية السعودي رقم 33 لسنة 1421هـ/ 1999م)
- ويجب على صاحب العمل أيضًا المساهمة بنسبة 2٪ من إجمالي أجر كل موظف (بما في ذلك قيمة أي مزايا غير نقدية) في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية (المادة 18 من نظام التأمينات الاجتماعية السعودي المذكور آنفًا).
إنهاء العمل
إنهاء العقود محددة المدة
عادةً ما تنتهي العقود محددة المدة بانتهاء مدتها. ومع ذلك، يُسمح بالإنهاء المبكر في ظل ظروف معينة. تحدد المادة 80 من نظام العمل أسبابًا محددة لإنهاء العمل دون إشعار أو تعويض، بما في ذلك:
- الاعتداء أو سوء السلوك من قبل الموظف.
- التغيب عن العمل بما يتجاوز الحدود المسموح بها، كما هو محدد في عقد العمل.
- الإفصاح عن المعلومات السرية أو الإنخراط في أعمال ضارة بمصالح صاحب العمل.
يُلزم نظام العمل السعودي أصحاب العمل بتوثيق وتقديم أدلة على مثل هذه الانتهاكات. مما يضمن العدالة الإجرائية في قرارات إنهاء العمل. تهدف هذه الأحكام إلى تحقيق التوازن بين حقوق صاحب العمل وحماية الموظفين، وتعزيز بيئة عمل عادلة ومنصفة. بالإضافة إلى ذلك، يتم تشجيع أصحاب العمل على تنفيذ آليات تظلمات قوية لمعالجة النزاعات والحفاظ على الانسجام في مكان العمل.
إنهاء العقود غير محددة المدة
توفر العقود غير محددة المدة مرونة أكبر ولكنها تتطلب أسبابًا مشروعة لإنهاء العمل. يمكن لكل من أصحاب العمل والموظفين إنهاء هذه العقود، شريطة تقديم إشعار خطي، تكون مدته كما يلي:
- 60 يومًا للموظفين الذين يتقاضون أجورهم شهريًا.
- 30 يومًا للموظفين الذين يتقاضون أجورهم وفقًا لجداول زمنية أخرى.
وفي حال عدم تقديم الإشعار المطلوب، يتعين سداد تعويض يعادل مدة الإشعار غير المنفذة، وذلك لضمان الامتثال لأحكام نظام العمل السعودي وتقليل الأضرار الناتجة عن حالات الإنهاء المفاجئة. كما يُوصى بأن يوفر أصحاب العمل الإرشاد المهني أو الدعم للموظفين الذين ينهون خدماتهم، تعزيزًا للعلاقات المهنية والحفاظ على السمعة المؤسسية.
يُلزم نظام العمل السعودي أصحاب العمل بالامتثال للضوابط القانونية المتعلقة بإنهاء العقود، تجنبًا لأي نزاعات قانونية محتملة. كما يتيح النظام للعاملين سبلًا قانونية للطعن في حالات الفصل غير المشروع، بما يضمن حماية حقوق جميع الأطراف.
مكافأة نهاية الخدمة
يستحق العامل مكافأة نهاية الخدمة عند إنهاء عقد العمل، وتُعد هذه المكافأة تقديرًا ماليًا لسنوات خدمته. ويتم احتسابها على النحو التالي:
- نصف أجر شهر عن كل سنة من سنوات العمل الخمس الأولى.
- أجر شهر كامل عن كل سنة تالية.
يستحق العامل المستقيل مكافأة نهاية الخدمة بنسبة تتناسب مع مدة خدمته، وذلك وفقًا لما يلي:
- ثلث المكافأة إذا بلغت مدة خدمته بين 2 إلى 5 سنوات.
- ثلثا المكافأة إذا تراوحت مدة خدمته بين 5 إلى 10 سنوات.
- المكافأة كاملة إذا تجاوزت مدة خدمته 10 سنوات.
ويتم احتساب المكافأة بناءً على جميع مكونات أجر العامل، باستثناء العمولات والعناصر المتغيرة الأخرى التي يتم استبعادها صراحةً في عقد العمل. وتعكس هذه الشفافية في الحساب التزام المملكة برعاية حقوق العاملين وتطبيق ممارسات تعويضية عادلة. كما يُوصى بأن يجري أصحاب العمل مراجعات دورية لهياكل الأجور لديهم لضمان الامتثال للأنظمة المعمول بها ومعالجة أي فروقات محتملة بشكل استباقي.
بالإضافة إلى ذلك، يُنصح أصحاب العمل بالتواصل بوضوح مع العاملين بشأن شروط مكافأة نهاية الخدمة، بما يعزز الشفافية والثقة بين الطرفين. كما تقوم الجهات المختصة بمراجعة هذه الأحكام دوريًا لضمان مواءمتها مع الظروف الاقتصادية واحتياجات العاملين.
الخاتمة
يُشكل نظام العمل السعودي إطارًا قانونيًا شاملًا يهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح أصحاب العمل والعاملين. فمن خلال تنظيم جوانب رئيسية مثل أنظمة العمالة الوافدة، ونسب توطين الوظائف، والرعاية الصحية، والتأمينات الاجتماعية، وإجراءات إنهاء العقود، يسهم النظام في تعزيز بيئة عمل متوافقة وعادلة. ويُنصح أصحاب العمل بالالتزام بهذه الأنظمة، ليس فقط لتفادي التبعات القانونية، ولكن أيضًا للمساهمة في تحقيق رؤية المملكة الأوسع للتنويع الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.
من خلال مبادرات مثل برنامج نطاقات والتأمينات الاجتماعية الإلزامية، تؤكد المملكة التزامها بتطوير سوق عمل مستدام ومتوافق مع رؤية 2030، مما يعزز مكانتها العالمية في تنظيم سوق العمل. كما يضمن تحديث التشريعات المستمر مرونة السوق وقدرته على مواجهة التحديات المستقبلية.
إذا كنتم بحاجة إلى دعم بشأن مسألتكم الخاصة، لا تترددوا في التواصل معنا عبر نموذج الاستفسارات من خلال هذا الرابط (https://ahysp.com/contact-us/) أو عبر البريد الإلكتروني Info@ahysp.com.