أقر مجلس الوزراء السعودي إطارًا قانونيًا جديدًا قويًا في يوليو 2024، يهدف إلى التصدي للفساد بين موظفي الحكومة. يُعرف هذا التشريع باسم نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية (نزاهة). سيبدأ سريان النظام اعتبارًا من 7 نوفمبر 2024. سُنّ هذا النظام بدايةً بموجب قرار رئيس الوزراء رقم 165 لسنة 2011 الذي تم تحديثه بموجب النظام رقم م/25 من عام 2024.
يقدم النظام الجديد إجراءات شاملة لمقاضاة المسؤولين الحكوميين الذين تبدو ثروتهم غير متناسبة مع دخلهم المعلن. وفقًا للمادة 2، إذا جمع موظف عام ثروة غير مبررة مرتبطة بالفساد أو الرشوة أو من إساءة استخدام السلطة، فإنه يتحمل عبء إثبات شرعية تلك الأصول. ويمتد هذا الالتزام ليشمل أفراد الأسرة ذوي العلاقة المباشرة، ومنهم الأزواج والأبناء والوالدين.
يمثل هذا التحول في العبء القانوني تغييرًا كبيرًا عن أساليب الملاحقة القضائية التقليدية، التي غالبًا ما تكافح لإثبات النية أو فضح المخططات الاحتيالية المصممة لإخفاء المكاسب غير المشروعة. ومن خلال نقل عبء الإثبات، تهدف هيئة نزاهة إلى تعزيز احتمالية الإدانات الناجحة في قضايا الفساد. ومع ذلك، لا تزال التفاصيل المتعلقة بنوع الأدلة التي تعتبرها نزاهة كافية غير واضحة.
وبموجب المادة 19، إذا زادت ثروة الموظف العام زيادة غير متناسبة بعد توليه المنصب، وكشفت التحقيقات عن أدلة على وجود فساد، سيُطلب من الفرد تبرير مصدر ثروته. وسيؤدي عدم القيام بذلك إلى تصعيد القضية إلى وحدة التحقيق في نزاهة، مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات صارمة، بما في ذلك استرداد الأصول أو مصادرتها.
وفي الحالات التي يتهرب فيها المتهم أو يُتوفى قبل الملاحقة القضائية، تواصل نزاهة بالتعاون مع السلطات المختصة، بموجب المادة 20، جمع الأدلة ومتابعة استرداد أي أموال مختلسة، كما ستنسق الهيئة مع وزارة العدل لتنفيذ الأحكام على الصعيدين المحلي والدولي. ولأول مرة، تقدم المادة 22 عملية تسوية للأفراد المتهمين بالفساد، مما يسمح لهم بتسوية قضاياهم من خلال طلب رسمي، ولكن لم يتم الكشف بعد عن التفاصيل المتعلقة بهذا الإجراء.
وتضيف المادة (10) إضافة مهمة إلى اختصاصات هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة)، حيث أصبحت تشمل وحدات متخصصة تتبع مباشرة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي نصت صراحة على أنه “لن يسلم من المساءلة أي شخص متورط في أي قضية فساد، سواء كان أميرًا أو وزيرًا”. وستركز هذه الوحدات على التحقيقات الجنائية والملاحقات القضائية وحماية النزاهة وتعزيز الشفافية ومبادرات مكافحة الفساد والرقابة الإدارية والتعاون الدولي.
وعلاوة على ذلك، جرى توسيع تعريف الفساد ليشمل جرائم مختلفة مثل إساءة استخدام الأموال العامة وإساءة استخدام السلطة والرشوة. وتجري هيئة نزاهة حاليًا التحقيقات اللازمة للكشف عن المخالفات الإدارية وجرائم الفساد، وتتلقى الشكاوى والبلاغات، وتحقق مباشرة في جميع المخالفات الإدارية والمالية أمام المحكمة المختصة. وبموجب المادة 5، يحق للهيئة طلب المستندات من الجهات الخاضعة لولايتها القضائية، والتي يجب أن تمتثل لها خلال أطر زمنية محددة، كما أن الهيئة مكلّفة أيضًا باسترداد الأصول المكتسبة من خلال الفساد وتنفيذ تدابير لحماية المبلّغين عن المخالفات. يعكس هذا التغيير التشريعي التزام المملكة العربية السعودية بخلق بيئة آمنة وجاذبة للمستثمرين، بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030.
بالنسبة للشركات العاملة داخل المملكة، فإن سن هذا النظام الجديد يكتسب أهمية خاصة. فقد أجرت نزاهة مؤخرًا عمليات واسعة النطاق، بما في ذلك القبض على 155 مسؤولًا حكوميًا بتهم الفساد و924 مداهمة تفتيشية في شهر يونيو 2024 وحده. واعتبارًا من سبتمبر 2024، تم إجراء ما يزيد عن 280 تحقيقًا مع أكثر من 130 عملية اعتقال من وحدة التحقيق الجنائي في نزاهة على النحو المبين في المادة 14. وإجمالاً، تم القبض على ما يقرب من 5,000 شخص في جرائم متعلقة بالفساد في الفترة من 2021 إلى 2023، مما يؤكد النهج الصارم الذي تتبعه نزاهة في مكافحة الفساد المالي والإداري.
مع تكثيف المملكة العربية السعودية لجهودها في مكافحة الفساد، يجب على الشركات مراجعة ضوابطها الداخلية وممارسات الامتثال بشكل استباقي للحد من مخاطر الفساد. ويشمل ذلك التدقيق في السياسات المتعلقة بالهدايا والضيافة والمبالغ التي تدفع لتيسير الإجراءات والتعاقدات مع الغير. علاوة على ذلك، ينبغي على المؤسسات أن تضع في اعتبارها تنفيذ برامج تدريبية شاملة للموظفين حول لوائح مكافحة الرشوة والسياسات الداخلية.
يعكس سن نظام نزاهة عزم المملكة العربية السعودية على إنشاء إطار حوكمة يتسم بالشفافية والمحاسبة. فمن خلال تعزيز صلاحيات نزاهة وإعادة تشكيل المشهد القانوني المحيط بالفساد، تهدف المملكة إلى حماية الأموال العامة وبناء بيئة أكثر جاذبية للاستثمار المحلي والأجنبي. ويتماشى هذا التقدم التشريعي مع الأهداف الأوسع نطاقًا لرؤية 2030، مما يدل على الالتزام بالنزاهة وسيادة القانون في السعي لتحقيق التنمية الوطنية. ومع دخول النظام حيز التنفيذ، ستتجلى آثاره العملية، وسيتعين على كل من المسؤولين الحكوميين والكيانات الخاصة التكيف مع هذا النموذج الجديد في الحوكمة والمحاسبة.
إذا اخترتمونا لدعم قضيتكم، فلا تترددوا في التواصل معنا عبر نموذج الاستفسارات (رابط: https://ahysp.com/contact-us/) أو عن طريق إرسال بريد إلكتروني إلى info@ahysp.com.